فصل: (بَابُ زَكَاةِ الْإِبِلِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة (نسخة منقحة)



.(بَابُ الشَّهِيدِ):

سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ حَاضِرٌ وَمُنَاسَبَتُهُ لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الشَّهِيدُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ) سَوَاءٌ كَانَ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسْبِيبًا بِحَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي مَعْنَى الْمُشْرِكِينَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَالْبُغَاةُ وَكَذَا إذَا أَوْطَأَتْهُ دَوَابُّ الْعَدُوِّ وَهُمْ رَاكِبُوهَا أَوْ سَائِقُوهَا أَوْ قَائِدُوهَا وَأَمَّا إذَا نَفَرَ فَرَسُ الْمُسْلِمِ مِنْ دَوَابِّ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيرٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ رَايَاتِ الْعَدُوِّ أَوْ مِنْ سَوَادِهِمْ حَتَّى أَلْقَى رَاكِبَهُ فَمَاتَ لَا يَكُونُ شَهِيدًا وَكَذَا الْمُسْلِمُونَ إذَا انْهَزَمُوا فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْخَنْدَقِ أَوْ مِنْ السُّورِ فَمَاتُوا لَمْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ هُمْ الَّذِينَ أَلْقَوْهُمْ بِالطَّعْنِ أَوْ الدَّفْعِ أَوْ الْكَرِّ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ) الْمَعْرَكَةُ مَوْضِعُ الْقِتَالِ وَالْأَثَرُ الْجِرَاحَةُ وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ غُسِّلَ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْعُفُ وَيَبُولُ دَمًا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ فَمِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ رَأْسِهِ غُسِّلَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْجَوْفِ لَمْ يُغَسَّلْ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِلَوْنِ الدَّمِ فَالنَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ صَافٍ وَالْمُرْتَقِي مِنْ الْجَوْفِ عَلَقٌ وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةُ الْمُشْرِكِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ وَلَا لَهَا سَائِقٌ وَلَا قَائِدٌ فَأَوْطَأَتْ مُسْلِمًا فِي الْقِتَالِ فَقَتَلَتْهُ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ قَتْلَهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ بَلْ بِمُجَرَّدِ فِعْلِ الْعَجْمَاءِ وَفِعْلُهَا غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالظُّلْمِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّهُ صَارَ قَتِيلًا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ ظُلْمًا) قَيَّدَ بِالظُّلْمِ احْتِرَازًا عَنْ الرَّجْمِ فِي الزِّنَا وَالْقِصَاصِ وَالْهَدْمِ وَالْغَرْقِ وَافْتِرَاسِ السَّبُعِ وَالتَّرَدِّي مِنْ الْجَبَلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ) يَعْنِي مُبْتَدَأَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ مَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ وَلَدَهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ شَهِيدٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُبْتَدَأَةً بَلْ الْوَاجِبُ أَوَّلًا الْقِصَاصُ ثُمَّ سَقَطَ بِالشُّبْهَةِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَحَرَّزَ أَيْضًا مِمَّا إذَا قُتِلَ ظُلْمًا وَوَجَبَتْ بِقَتْلِهِ الدِّيَةُ كَالْمَقْتُولِ خَطَأً أَوْ قُتِلَ وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فِي الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَتَلُوهُ بِالْمُثْقَلِ فَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ شَهِيدٌ.
قَوْلُهُ: (فَيُكَفَّنُ) أَيْ يُلَفُّ فِي ثِيَابِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الشُّهَدَاءَ بِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ وَالصَّلَاةُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَوْتَى وَلِأَنَّ {السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ} فَأَغْنَى عَنْ الشَّفَاعَةِ لَهُ وَالصَّلَاةُ هِيَ شَفَاعَةٌ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ {النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ} وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ لِإِظْهَارِ كَرَامَتِهِ وَالشَّهِيدُ أَوْلَى بِهَا وَالطَّاهِرُ عَنْ الذُّنُوبِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الدُّعَاءِ كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ قُلْنَا هُوَ حَيٌّ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وَأَمَّا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَهُوَ مَيِّتٌ حَتَّى أَنَّهُ يُورَثُ مَالُهُ وَتَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا اُسْتُشْهِدَ الْجُنُبُ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ جُنُبًا بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْقِتَالِ أَوْ بِقَوْلِ امْرَأَتِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عُرِفَتْ مَانِعَةً لَا رَافِعَةً فَلَا تَرْفَعُ الْجَنَابَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ثَوْبِ الشَّهِيدِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ الدَّمِ تُغْسَلُ تِلْكَ النَّجَاسَةُ وَلَا يُغْسَلُ الدَّمُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ دَمَهُ مِنْ كَوْنِهِ نَجِسًا وَلَمْ تَرْفَعْ النَّجَاسَةَ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الدَّمِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا الصَّبِيُّ) يَعْنِي إذَا اُسْتُشْهِدَ الصَّبِيُّ غُسِّلَ عِنْدَهُ أَيْضًا وَكَذَا الْمَجْنُونُ لِأَنَّ {السَّيْفَ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ} وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا ذُنُوبٌ فَكَانَ الْقَتْلُ فِيهِمَا كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُغَسَّلَانِ) لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْجَنَابَةِ سَقَطَ بِالْمَوْتِ أَيْ أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الصَّلَاةُ وَقَدْ سَقَطَتْ بِالْمَوْتِ فَسَقَطَ وُجُوبُ الْغُسْلِ لِسُقُوطِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالْغُسْلُ الثَّانِي الَّذِي لِلْمَوْتِ سَقَطَ بِالشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ أُقِيمَ مُقَامَ الْغُسْلِ كَالذَّكَاةِ فِي الشَّاةِ أُقِيمَتْ مُقَامَ الدِّبَاغِ فِي طَهَارَةِ الْجِلْدِ وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا يُغَسَّلَانِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا لِأَنَّ الشَّهِيدَ إنَّمَا لَا يُغَسَّلُ لِإِبْقَاءِ أَثَرِ الظُّلْمِ وَالظُّلْمُ فِي حَقِّهِمَا أَشَدُّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُغْسَلُ عَنْ الشَّهِيدِ دَمُهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ {زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَكُلُومِهِمْ} وَدَمُ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَجِسٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا صَلَّى حَامِلًا الشَّهِيدَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ وَقَعَ دَمُهُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ وَيُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْخُفُّ وَالْحَشْوُ وَالسِّلَاحُ) الْفَرْوُ الْمَصْنُوعُ مِنْ جُلُودِ الْفِرَاءِ وَالْحَشْوُ الثَّوْبُ الْمَحْشُوُّ قُطْنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا لَبِسَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ اُرْتُثَّ غُسِّلَ) اُرْتُثَّ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ رَثِيثًا أَيْ جَرِيحًا وَبِهِ رَمَقٌ وَالرَّثُّ الشَّيْءُ الْخَلَقُ وَهَذَا صَارَ خَلَقَا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ لِنَيْلِ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَخِفُّ أَثَرُ الظُّلْمِ وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ} وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الدَّائِنَ إذَا مَلَكَ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ سَقَطَ عَنْهُ الدَّيْنُ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَهُنَا قَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ الْمَبِيعَةَ إلَيْهِ وَعَلَيْهَا دُيُونٌ بِمَعْنَى الذُّنُوبِ فَتَسْقُطُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «السَّيْفُ مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ» ثُمَّ الْبَيْعُ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ الْعَاقِلِ الْمُمَيِّزِ وَلِهَذَا يُغَسَّلُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا وَكَذَا إذَا اُرْتُثَّ لِأَنَّ الِارْتِثَاثَ بِمَنْزِلَةِ امْتِنَاعِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ.
قَوْلُهُ: (وَالِارْتِثَاثُ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَتَدَاوَى) لِأَنَّهُ نَالَ بَعْضَ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ مَاتُوا عِطَاشًا وَالْكَأْسُ تُدَارُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ يُرْوَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا مَاءً فَكَانَ السَّاقِي يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ إذَا عَرَضَ الْمَاءَ عَلَى إنْسَانٍ مِنْهُمْ أَشَارَ إلَى صَاحِبِهِ حَتَّى مَاتُوا كُلُّهُمْ عَطَاشَى فَإِنْ أَوْصَى إنْ كَانَ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ مُرْتَثًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْأَمْوَاتِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مُرْتَثًّا لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ فَإِنْ كَانَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَهُوَ مُرْتَثٌّ إجْمَاعًا وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ {أَنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ الْقِتَالِ سَأَلَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ جَعَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ فَوَجَدَهُ فِي بَعْضِ الشِّعَابِ وَبِهِ رَمَقٌ فَقَالَ لَهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُك السَّلَامَ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَقْرِئْ رَسُولَ اللَّهِ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنَّ بِي كَذَا وَكَذَا طَعْنَةً كُلُّهَا أَصَابَتْ مَقَاتِلِي وَأَقْرِئْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ إنَّ بِي جِرَاحَاتٍ كُلُّهَا أَصَابَتْ مَقَاتِلِي فَلَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إنْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ ثُمَّ مَاتَ} فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهَدَاءِ فَلَمْ يُغَسَّلْ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَبْقَى حَيًّا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ) لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَبْقَى ثُلُثَيْ نَهَارٍ قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ وَيُغَسَّلُ الْمَقْتُولُ إنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ أَوْ انْقَضَى ثُلُثَا نَهَارٍ وَهُوَ حَيُّ وَمَا تَمَامُ الْيَوْمِ شَرْطًا يَا بُنَيُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَكَثَ فِي الْمَعْرَكَةِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيًّا وَالْقَوْمُ فِي الْقِتَالِ وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ لَا يَعْقِلُ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالِارْتِثَاثُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ تَصَرُّمِ الْقِتَالِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يُنْقَلُ مِنْ الْمَعْرَكَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ) لِأَنَّهُ نَالَ بِهِ بَعْضَ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ إلَّا إذَا حُمِلَ مِنْ مَصْرَعِهِ كَيْ لَا تَطَأَهُ الْخُيُولُ لِأَنَّهُ مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ الرَّاحَةِ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا فِي الشَّهِيدِ الْكَامِلِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُغَسَّلُ وَإِلَّا فَالْمُرْتَثُّ شَهِيدٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ كَامِلٍ فِي الشَّهَادَةِ حَتَّى أَنَّهُ يُغَسَّلُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ ظُلْمًا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْبُغَاةِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُغَسَّلْ) عُقُوبَةً لَهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا أُخِذَ الْبَاغِي وَأُسِرَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ إذَا قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَمَنْ قَتْلَ نَفْسَهُ خَطَأً بِأَنْ أَرَادَ ضَرْبَ الْعَدُوِّ فَأَصَابَ نَفْسَهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ السَّعْدِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَاغٍ عَلَى نَفْسِهِ وَالْبَاغِي لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَلَمْ يُحَارِبْ الْمُسْلِمِينَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ {أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ السَّبُعُ أَوْ مَاتَ تَحْتَ هَدْمٍ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

.(بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ):

هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى ظَرْفِهِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ قَتْلَ الشَّهِيدِ أَمَانٌ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ وَكَذَا الْكَعْبَةُ أَمَانٌ لَهُ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ جَائِزَةٌ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا) وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ فِيهَا النَّفَلُ وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْفَرْضُ وَسُمِّيَتْ الْكَعْبَةُ بِهَا لِارْتِفَاعِهَا وَنُتُوئِهَا وَمِنْهُ الْكَعْبُ فِي الرَّجُلِ وَكُعُوبُ الرُّمْحِ وَجَارِيَةٌ كَاعِبٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ بِجَمَاعَةٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ جَازَ إلَى آخِرِهِ) هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ جَازَ وَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِهِ جَازَ أَيْضًا وَإِنْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى وَجْهِهِ جَازَ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ وَإِنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ إلَخْ) وَإِنْ كَانَ تَحَلُّقٌ بِالْوَاوِ فَهُوَ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابُهَا فَمَنْ كَانَ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِ الْوَاوِ فَهُوَ جَوَابُ إذَا وَيَكُونُ هَذَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَمَنْ كَانَ لِلِاسْتِئْنَافِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَتَوَجَّهَ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا لَيْسَ لَهُ التَّوَجُّهُ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى حَتَّى يُسَلِّمَ.
قَوْلُهُ: (فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْ الْإِمَامِ جَازَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجَانِبِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ) إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالْحَمَّامِ وَقَوَارِعِ الطَّرِيقِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ} وَزَادَ فِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ وَبَطْنِ الْوَادِي وَالْإِصْطَبْلِ وَالطَّاحُونَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَتُكْرَهُ فِي الْمَقْبُرَةِ وَالْمَقْبُرَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَكَذَلِكَ الْمَزْبَلَةُ وَالْمَزْبَلَةُ مَوْضِعُ طَرْحِ السِّرْجِينِ وَالزِّبْلِ وَالْأَرْوَاثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

.(كِتَابُ الزَّكَاةِ):

الْمَشْرُوعَاتُ خَمْسٌ اعْتِقَادَاتٌ وَعِبَادَاتٌ وَمُعَامَلَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ وَكَفَّارَاتٌ.
فَالِاعْتِقَادَاتُ خَمْسٌ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
وَالْعِبَادَاتُ خَمْسٌ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ.
وَالْمُعَامَلَاتُ خَمْسٌ الْمُعَاوَضَاتُ وَالْمُنَاكَحَاتُ وَالْمُخَاصَمَاتُ وَالْأَمَانَاتُ وَالشَّرِكَاتُ.
وَالْعُقُوبَاتُ خَمْسُ مَزَاجِرَ مَزْجَرَةُ قَتْلِ النَّفْسِ كَالْقِصَاصِ وَمَزْجَرَةُ أَخْذِ الْمَالِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَمَزْجَرَةُ هَتْكِ السِّتْرِ كَالْجَلْدِ وَالرَّجْمِ وَمَزْجَرَةُ ثَلْمِ الْعِرْضِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَمَزْجَرَةُ خَلْعِ الْبَيْضَةِ كَالْقَتْلِ عَلَى الرِّدَّةِ.
وَالْكَفَّارَاتُ خَمْسٌ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةُ الْإِفْطَارِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةُ جِنَايَاتِ الْحَجِّ.
وَتَرْجِعُ الْعِبَادَاتُ الْخَمْسُ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ بَدَنِيٍّ مَحْضٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِهَادِ وَمَالِيٍّ مَحْضٍ كَالزَّكَاةِ وَمُرَكَّبٍ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ قَبْلَ الزَّكَاةِ إلَّا أَنَّهُ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ثُمَّ تَفْسِيرُ الزَّكَاةِ يَرْجِعُ إلَى وَصْفَيْنِ مَحْمُودَيْنِ الطَّهَارَةُ وَالنَّمَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} فَيَجْتَمِعُ لِلْمُزَكِّي الطَّهَارَةُ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ وَالْخَلَفُ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابُ فِي الْآخِرَةِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْإِجْمَاعِ الْمُتَوَاتِرِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ وَذَكَرَ مِنْهَا الزَّكَاةَ» وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَالزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ النَّمَاءُ وَهِيَ سَبَبٌ لِلنَّمَاءِ فِي الْمَالِ بِالْخَلَفِ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ.
وَقِيلَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّطْهِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَّكَّى} أَيْ تَطَهَّرَ مِنْ الذُّنُوبِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ إيتَاءِ مَالٍ مَعْلُومٍ فِي مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الْمُزَكِّي دُونَ الْمَالِ الْمُؤَدَّى عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ لِأَنَّهَا وُصِفَتْ بِالْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ لَا مِنْ صِفَاتِ الْأَعْيَانِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هِيَ اسْمٌ لِلْمَالِ الْمُؤَدَّى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} وَهَلْ وُجُوبُهَا عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي.
قَالَ فِي الْوَجِيزِ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّرَاخِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ لَا تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ وَفِي تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ عَنْهُمْ إضْرَارٌ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى التَّرَاخِي وَالْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ لِأَنَّ الْحَجَّ أَدَاؤُهُ مَعْلُومٌ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَالْمَوْتُ فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ لَا يُؤْمَنُ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَالزَّكَاةُ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ) اعْلَمْ أَنَّ شَرَائِطَ الزَّكَاةِ ثَمَانِيَةٌ: خَمْسَةٌ فِي الْمَالِكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا مُسْلِمًا عَاقِلًا وَأَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمَمْلُوكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نِصَابًا كَامِلًا وَحَوْلًا كَامِلًا وَكَوْنُ الْمَالِ إمَّا سَائِمًا أَوْ لِلتِّجَارَةِ.
قَوْلُهُ: (إذَا مَلَكَ نِصَابًا) لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ لِمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ وَمَا دُونَ النِّصَابِ مَالٌ قَلِيلٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا فَقِيرٌ وَالْفَقِيرُ مُحْتَاجٌ إلَى الْمُوَاسَاةِ.
قَوْلُهُ: (مِلْكًا تَامًّا) يُحْتَرَزُ عَنْ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَدْيُونِ وَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْمِلْكَ التَّامَّ هُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْمِلْكُ وَالْيَدُ وَأَمَّا إذَا وَجَدَ الْمِلْكَ دُونَ الْيَدِ كَمِلْكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ وَجَدَ الْيَدَ دُونَ الْمِلْكِ كَمِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَدْيُونِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
قَوْلُهُ: (وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) إنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ فِيهِ مِنْ التَّنْمِيَةِ وَهَلْ تَمَامُ الْحَوْلِ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ فَعِنْدَهُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْأَدَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ يُؤَيِّدُهُ جَوَازُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مُكَاتَبٍ زَكَاةٌ) فَإِنْ قِيلَ لِمَ ذَكَرَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَقَدْ عُرِفَا بِقَوْلِهِ عَلَى الْبَالِغِ الْعَاقِلِ قُلْنَا ذَكَرَهُ لِلْبَيَانِ مِنْ جِهَةِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِأَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِهَادِ وَلَا مَا يَشُوبُهَا الْمَالُ كَالْحَجِّ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَإِنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَتَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَوَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ كَالنَّفَقَاتِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا إذَا وُجِدَ مِنْهُ الْجُنُونُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا فَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُ إفَاقَةٌ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِفَاقَةُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَآخِرِهَا وَإِنْ قَلَّ وَيُشْتَرَطُ فِي أَوَّلِهَا لِانْعِقَادِ الْحَوْلِ وَفِي آخِرِهَا لِيَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ خِطَابُ الْأَدَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ الْإِفَاقَةُ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا وُجِدَتْ الْإِفَاقَةُ فِي جُزْءٍ مِنْ السَّنَةِ قَلَّ أَوْ كُثْرَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ وَسَطِهَا أَوْ آخِرِهَا كَمَا فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ شَهْرِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ قَلَّتْ الْإِفَاقَةُ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ وَلِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى إنْ أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ سُلِّمَ لَهُ وَإِنْ عَجَزَ سُلِّمَ لِمَوْلَاهُ فَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ نَاقِصٌ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالدَّيْنِ وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَاعْتُبِرَ مَعْدُومًا كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ أَوْ لِأَجْلِ دَابَّتِهِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ يُهَانُ وَيُحْبَسُ فَصَارَ فِي صَرْفِهِ إزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَعَبْدِ الْخِدْمَةِ وَدَارِ السُّكْنَى بَلْ أَوْلَى فَنَقَصَ مِلْكُ النِّصَابِ وَانْعَدَمَ الْغِنَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ كُلُّ دَيْنٍ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لِلْعِبَادِ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى كَدَيْنِ الزَّكَاةِ فَاَلَّذِي لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفِ وَأَرْشِ الْجِرَاحَةِ وَالْمَهْرِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ النُّقُودِ أَوْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ أَوْ الثِّيَابِ أَوْ الْحَيَوَانِ وَسَوَاءٌ وَجَبَ بِنِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَهُوَ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ وَالنَّفَقَةُ إذَا قُضِيَ بِهَا مَنَعَتْ الزَّكَاةَ وَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِهَا لَا تَمْنَعُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا إذَا لَحِقَهُ الدَّيْنُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا قَدْ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَاسْتَقَرَّتْ فَلَا يَسْقُطُهَا مَا لَحِقَهُ مِنْ الدَّيْنِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا قَالَ الصَّيْرَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْعُشْرِ.
وَقَوْلُهُ يُحِيطُ بِمَالِهِ الْإِحَاطَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ كَانَ لَا يُحِيطُ بِهِ لَا تَجِبُ أَيْضًا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ يَمْنَعُهُ أَنْ يَبْلُغَ نِصَابًا حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ دِرْهَمًا وَاحِدًا فِي الْمِائَتَيْنِ مَنَعَ الْوُجُوبَ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِثْقَالًا وَعَلَيْهِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِثْقَالًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَبْقَ الْبَاقِي نِصَابًا جُعِلَ كَأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَلِأَنَّ الْمَدْيُونَ مِلْكُهُ فِي النِّصَابِ نَاقِصٌ لَا يُفِيدُهُ مِلْكُهُ لَهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَذَلِكَ آيَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ وَدَيْنِ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ، وَالْخَرَاجُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ بِقَدْرِهِ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيِّ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الْبَاطِنَةِ هُوَ يَقُولُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ فِي الْبَاطِنَةِ فَهُوَ دَيْنٌ لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ قُلْنَا بَلَى لِلْإِمَامِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ إذَا عَلِمَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ عَدَمَ الْإِخْرَاجِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ وَيُسَلِّمُهَا إلَى الْفُقَرَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي مَالٍ قَائِمٍ أَوْ زَكَاةِ مَالٍ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ دَيْنِ زَكَاةِ الْمَالِ الْمُسْتَهْلَكِ وَبَيْنَ الْعَيْنِ.
وَهَذَا كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَوَجَبَتْ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَلَمْ يُخْرِجْهَا حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ آخَرُ لَمْ يَجِبْ لِلثَّانِي شَيْءٌ وَمُنِعَتْ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ لَمَّا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا اسْتَهْلَكَ الْمَالَ وَبَقِيَتْ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ إنَّهُ اسْتَفَادَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أُخْرَى وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجِبُ وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ دَيْنَ الْعَيْنِ اُسْتُحِقَّ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ بِهِ جُزْءٌ مِنْهُ فَبَقِيَ دَيْنًا لَا مُطَالِبَ لَهُ مِنْ الْعِبَادِ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ بِهِ الْإِمَامُ عِنْدَهُ بَعْدَمَا يَصِيرُ دَيْنًا وَعِنْدَهُمَا يُطَالِبُ بِهِ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ لَهُ مُطَالِبًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ فِي الثَّانِي فَقَوْلُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا أَيْ فِي النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ وَفِي النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ دَيْنُ الِاسْتِهْلَاكِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ هَذَيْنِ الدَّيْنَيْنِ مَانِعَيْنِ لِلزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لَا مَطَالِبَ لَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَصَارَ كَدَيْنِ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَهُمَا لَا يَمْنَعَانِ الْوُجُوبَ بِالْإِجْمَاعِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ زَكَّى الْفَاضِلَ إذَا بَلَغَ نِصَابًا) لِفَرَاغِهِ عَنْ الْحَاجَةِ وَإِنْ لَحِقَهُ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ ثُمَّ بَرِيءَ مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الدَّيْنَ بِمَنْزِلَةِ نُقْصَانِ النِّصَابِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ بَرِيءَ مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا إلَّا زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا تَجِبُ رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا الْوَاهِبُ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عَيْنَ النِّصَابِ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِي دُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَارٍ يَسْكُنُهَا وَثِيَابٍ يَلْبَسُهَا وَكَذَا كُتُبُ الْعِلْمِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْكُتُبُ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا أَوْ نَحْوًا وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا كَانَ لَهُ مُصْحَفٌ قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ لَا تَجُوزُ لَهُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِدُ مُصْحَفًا يَقْرَأُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ أَوْ مُقَارَنَةٍ لِعَزْلِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِي النِّيَّةِ الِاقْتِرَانُ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ فَاكْتَفَى بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ تَيْسِيرًا كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ وَقَوْلُهُ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ يَعْنِي إلَى الْفَقِيرِ أَوْ إلَى الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ إذَا وَكَّلَ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ التَّوْكِيلِ وَنَوَى عِنْدَ دَفْعِ الْوَكِيلِ جَازَ وَيَجُوزُ لِلْوَكِيلِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ أَنْ يَدْفَعَ لِأَبِيهِ وَزَوْجَتِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ.
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا دَفَعَهَا إلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ جَازَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِنْهَا شَيْئًا فَإِنْ قَالَ لَهُ صَاحِبُ الْمَالِ ضَعْهَا حَيْثُ شِئْت لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهٍ وَلَمْ يَنْوِ الزَّكَاةَ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُهَا) يَعْنِي إذَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ وَكَذَا إذَا نَوَى تَطَوُّعًا وَإِنْ نَوَى عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَيَضْمَنُ الزَّكَاةَ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِ النِّصَابِ سَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْمُؤَدَّى عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ فِي كُلِّ النِّصَابِ لِمَا أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لِشُكْرِ نِعْمَةِ الْمَالِ وَالْكُلُّ نِعْمَةٌ فَيَجِبُ فِي الْكُلِّ شَائِعًا فَإِذَا خَرَجَ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْهُ مَا كَانَ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِكَوْنِ الْبَاقِي مَحَلًّا لِلْوَاجِبِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَيِّنِ لَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْمُؤَدَّى كَمَا لَا تَسْقُطُ زَكَاةُ الْبَاقِي لِوُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى مَحَلٌّ لِلْوَاجِبِ وَكَذَا الْبَاقِي أَيْضًا مَحَلٌّ لِلْوَاجِبِ وَمِقْدَارُ الْوَاجِبِ فِي الْمُؤَدَّى يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَنْ الْمُؤَدَّى فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَنْ الْبَاقِي فَلَا يَقَعُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَوُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ وَعَدَمِ قَاطِعِ الْمُزَاحَمَةِ وَهُوَ النِّيَّةُ الْمُعَيِّنَةُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَدَّقَ بِالْكُلِّ فَإِنَّ الْمُزَاحَمَةَ انْعَدَمَتْ هُنَاكَ فَسَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ ضَرُورَةً لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ يَنْوِي بِهَا الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى مِنْ النَّفْلِ فَانْتَفَى الْأَضْعَفُ بِالْأَقْوَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقَعُ عَنْ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِيقَاعُ عَنْهُمَا لِتَنَافِيهِمَا فَلَغَتْ النِّيَّةُ فَلَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ.

.(بَابُ زَكَاةِ الْإِبِلِ):

الْإِبِلُ اسْمُ جِنْسٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَقَوْمٍ وَنِسَاءٍ وَسُمِّيَتْ إبِلًا لِأَنَّهَا تَبُولُ عَلَى أَفْخَاذِهَا وَقَدَّمَ الشَّيْخُ زَكَاةَ الْمَوَاشِي عَلَى النَّقْدَيْنِ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الزَّكَاةِ أَوَّلًا كَانَتْ مِنْ الْعَرَبِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَوَاشِي وَقَدَّمَ الْإِبِلَ عَلَى الْبَقَرِ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرَةُ الِاسْتِعْمَالِ لِلْإِبِلِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْبَقَرِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ) وَيُقَالُ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ بِالْإِضَافَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {تِسْعَةُ رَهْطٍ} وَالذَّوْدُ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى التِّسْعِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ خَمْسًا سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ) السَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تُرْسَلُ لِلرَّعْيِ فِي الْبَرَارِي وَلَا تُعْلَفُ فِي الْمَنْزِلِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ ذُكُورًا مُنْفَرِدَةً أَوْ إنَاثًا مُنْفَرِدَةً أَوْ مُخْتَلِطَةً وَقَوْلُهُ فَفِيهَا شَاةٌ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُهُمَا وَالشَّاةُ مِنْ الْغَنَمِ مَا لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيِّ مِنْ الْغَنَمِ فَصَاعِدًا وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ وَهُوَ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَمَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ فَلَا يَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ وَيَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَدْنَى السِّنِّ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
فَإِنْ قِيلَ لِمَ وَجَبَتْ الشَّاةُ فِي الْإِبِلِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الزَّكَاةِ أَنْ تَجِبَ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ جِنْسِهِ قِيلَ لِأَنَّ الْإِبِلَ إذَا بَلَغَتْ خَمْسًا كَانَتْ مَالًا كَثِيرًا لَا يُمْكِنُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الْوُجُوبِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِجْحَافِ وَفِي إيجَابِ الشِّقْصِ ضَرَرُ عَيْبِ الشَّرِكَةِ فَلِهَذَا وَجَبَتْ الشَّاةُ وَقِيلَ لِأَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِيجَابُ الشَّاةِ فِي الْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ كَإِيجَابِ الْخَمْسَةِ فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ الْوَاجِبُ هُنَا الْعَيْنُ وَلَهُ نَقْلُهَا إلَى الْقِيمَةِ وَقْتَ الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ الشَّاةُ وَلَوْ أَنَّ لَهُ إبِلًا سَائِمَةً بَاعَهَا فِي وَسَطِ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ بِسَائِمَةٍ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا اسْتَقْبَلَ لَهَا حَوْلًا آخَرَ إجْمَاعًا كَالْإِبِلِ إذَا بَاعَهَا بِالْبَقَرِ وَكَالْبَقَرِ إذَا بَاعَهَا بِالْغَنَمِ أَوْ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِعُرُوضٍ وَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَيَسْتَأْنِفُ حَوْلًا عَلَى الثَّانِي فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا فَكَذَلِكَ يَبْطُلُ الْحَوْلُ أَيْضًا وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ عَلَى الثَّانِيَةِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْطُلُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِهَا كَانَتْ زَكَاتُهَا دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَتَحَوَّلُ زَكَاتُهَا إلَى بَدَلِهَا حَتَّى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْبَدَلِ.
وَقَالَ زُفَرُ إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا يَتَحَوَّلُ زَكَاتُهَا إلَى بَدَلِهَا بِحَيْثُ تَبْقَى بِبَقَائِهَا وَتَفُوتُ بِفَوَاتِهَا وَإِنْ بَاعَ السَّائِمَةَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهَا ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فِي الْحَوْلِ إنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ قَاضٍ لَمْ يَنْقَطِعْ حُكْمُ الْحَوْلِ وَكَانَ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا وَإِنْ رَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاتُهَا إلَّا بِحَوْلِ جَدِيدٍ وَكَذَا لَوْ وَهَبَهَا فِي الْحَوْلِ ثُمَّ اسْتَرْجَعَهَا فِيهِ لَمْ يَنْقَطِعْ حُكْمُ الْحَوْلِ وَكَانَ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ يُوجِبُ فَسْخَهَا سَوَاءٌ كَانَ الرُّجُوعُ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَذَا فِي شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ) وَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا مَاخِضٌ بِغَيْرِهَا فِي الْعَادَةِ أَيْ حَامِلٌ بِغَيْرِهَا وَفِي الْمُغْرِبِ مَخَضَتْ الْحَامِلُ مَخَاضًا أَيْ أَخَذَهَا وَجَعُ الْوِلَادَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} أَيْ أَلْجَأَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَالْقِيمَةُ وَلَا يَجُوزُ هُنَا إلَّا الْإِنَاثُ خَاصَّةً وَلَا يَجُوزُ الذُّكُورُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ وَأَمَّا فِي الْبَقَرِ فَهُمَا سَوَاءٌ وَفِي الْغَنَمِ أَيْضًا يَجُوزُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ) وَهِيَ مَا لَهَا سَنَتَانِ وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا ذَاتَ لَبَنٍ بِوِلَادَةِ غَيْرِهَا فِي الْعَادَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ إلَى سِتِّينَ) وَهِيَ مَا لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ) وَهِيَ مَا لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ وَلَا اشْتِقَاقَ لِاسْمِهَا وَهِيَ أَعْلَى سِنٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ فَفِي الْخَمْسِ شَاةٌ وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ إلَى آخِرِهِ) إلَى أَنْ قَالَ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ أَبَدًا كَمَا تُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ يَعْنِي فَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ثُمَّ بِنْتُ لَبُونٍ إلَى سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ حِقَّةٌ إلَى خَمْسِينَ هَكَذَا أَبَدًا مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ إلَى الْحِقَّةِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَمَا يُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ احْتَرَزَ بِهَذَا عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ بِنْتِ لَبُونٍ لِانْعِدَامِ وُجُودِ نِصَابِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا زَادَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ صَارَ جَمِيعُ النِّصَابِ مِائَةً وَخَمْسًا وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِصَابُ بِنْتِ الْمَخَاضِ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ فَلَمَّا زَادَ عَلَيْهَا خَمْسًا صَارَ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَوَجَبَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ لِأَنَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً.
قَوْلُهُ: (وَالْبُخْتُ وَالْعِرَابُ سَوَاءٌ) الْبُخْتُ جَمْعُ بُخْتِيٍّ وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مَنْسُوبٌ إلَى بُخْتَ نَصَّرَ وَالْعِرَابُ جَمْعُ جَمَلٍ عَرَبِيٍّ وَالْعَرَبُ جَمْعُ رَجُلٍ عَرَبِيٍّ فَفَرَّقُوا بَيْنَ الْأَنَاسِيِّ وَالْبَهَائِمِ كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَ حِصَانٍ وَحِصَانٍ فَالْعِرَاب مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَرَبِ وَالْبُخْتُ لِلْعَجَمِ وَقَوْلُهُ سَوَاءٌ يَعْنِي فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَاعْتِبَارِ الرِّبَا وَجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبُخْتِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ لَحْمِ الْعِرَابِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَلَيْسَ فِي سَوَائِمِ الْوَقْفِ وَالْخَيْلِ الْمُسْبَلَةِ زَكَاةٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا فِي الْمَوَاشِي الْعَمْيِ وَلَا الْمَقْطُوعَةِ الْقَوَائِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَائِمَةٍ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ سَائِمَةٌ فَجَاءَهُ الْمُصَدِّقُ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَقَالَ لَيْسَتْ هِيَ لِي أَوْ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِقِيمَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوُجُوبَ وَإِنْ قَالَ قَدْ أَدَّيْتهَا إلَى مُصَدِّقٍ غَيْرِك إنْ كَانَ هُنَاكَ مُصَدِّقٌ غَيْرُهُ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ سَوَاءٌ أَتَى بِالْبَرَاءَةِ أَمْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُصَدِّقٌ لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ قَالَ قَدْ أَدَّيْتهَا إلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْعُشْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ أَمْوَالَ التِّجَارَةِ فَقَالَ قَدْ أَدَّيْتهَا إلَى الْقُرَّاءِ صُدِّقَ لِأَنَّ دَفْعَ زَكَاةِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ مُفَوَّضَةٌ إلَى أَرْبَابِهَا.

.(بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ):

قَدَّمَهَا عَلَى الْغَنَمِ لِأَنَّ الْبَقَرَ تَحْصُلُ بِهَا مَصْلَحَةُ الزِّرَاعَةِ وَاللَّحْمِ، وَالْغَنَمُ لَا يَحْصُلُ بِهَا إلَّا اللَّحْمُ وَمُنَاسَبَتُهَا لِلْإِبِلِ مِنْ حَيْثُ الضَّخَامَةُ وَالْقِيمَةُ حَتَّى أَنَّ اسْمَ الْبَدَنَةِ يَشْمَلُهُمَا وَسُمِّيَتْ الْبَقَرُ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ بِحَوَافِرِهَا أَيْ تَشُقُّهَا وَالْبَقْرُ هُوَ الشَّقُّ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ سَائِمَةً وَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا تَبِيعُ أَوْ تَبِيعَةٌ) وَهُوَ الَّذِي لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَ تَبِيعَا لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ يَتْبَعُ أُمَّهُ ثُمَّ الْأُنْثَى لَا تَزِيدُ عَلَى الذَّكَرِ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَذَا فِي الْغَنَمِ بِخِلَافِ الْإِبِلِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الذَّكَرُ فِيهَا إلَّا عَلَى طَرِيقِ الْقِيمَةِ وَأَدْنَى سِنٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ فِي الْبَقَرِ تَبِيعٌ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِالْعَجَاجِيلِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ) وَهِيَ مَا لَهَا سَنَتَانِ وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ أَعْطَى تَبِيعَيْنِ جَازَ لِأَنَّهُمَا يَجْزِيَانِ عَنْ السِّتِّينَ فَلَأَنْ يَجْزِيَانِ عَمَّا دُونَهَا أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَجَبَ فِي الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ ذَلِكَ إلَى سِتِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَفِي الْوَاحِدَةِ رُبُعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَفِي الثَّلَاثِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَفِي الْأَرْبَعِ عُشْرُ مُسِنَّةٍ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ فَيَكُونُ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ لِأَنَّ الْأَوْقَاصَ فِي الْبَقَرِ تِسْعٌ تِسْعٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ السِّتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ) وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ وَلَا فِي مَا وَرَاءِ السِّتِّينَ.
قَوْلُهُ: (وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَفِي مِائَةٍ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ) وَفِي مِائَةٌ وَعَشْرُ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ أَوْ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَقَرُ سَوَاءٌ) يَعْنِي فِي الزَّكَاةِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَاعْتِبَارِ الرِّبَا أَمَّا فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْجَامُوسِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَقِلَّتِهِ فِي بِلَادِنَا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ كَثُرَ فِي مَوْضِعٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْبَقَرَ لَا يَتَنَاوَلُ الْجَوَامِيسَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقَرًا تَنَاوَلَهَا فَيَحْنَثُ بِشِرَائِهَا لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ لِلْمَعْهُودِ

.(بَابُ زَكَاةِ الْغَنَمِ):

قَدَّمَ الْغَنَمَ عَلَى الْخَيْلِ لِكَثْرَتِهِ وَكَوْنِ زَكَاةِ الْغَنَمِ مُتَّفِقًا فِيهَا وَزَكَاةِ الْخَيْلِ مُخْتَلِفًا فِيهَا ثُمَّ الْغَنَمُ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً صَدَقَةٌ) أَدْنَى السِّنِّ الَّتِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا وَهُوَ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ عِنْدَهُمَا وَمَا دُونَهُ حُمْلَانٌ لَا شَيْءَ فِيهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ) وَصِفَتُهَا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا وَهِيَ مَا لَهَا سَنَةٌ وَطَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ يَجُوزُ وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّنَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَهِيَ أَضْيَقُ مِنْ الزَّكَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّبِيعَ لَا يَجُوزُ فِيهَا وَيَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَيُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُؤْخَذُ الذَّكَرُ إلَّا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا ثُمَّ السُّنَّةُ أَنَّ النِّصَابَ إذَا كَانَ ضَأْنًا يُؤْخَذُ مِنْ الضَّأْنِ وَإِنْ كَانَ مَعْزًا فَمِنْ الْمَعْزِ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا فَمِنْ الْغَالِبِ وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَمِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ.
قَوْلُهُ: (وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ سَوَاءٌ) يَعْنِي فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَاعْتِبَارِ الرِّبَا وَجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الضَّأْنِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْمَعْزِ لَا يَحْنَثُ.

.(بَابُ زَكَاةِ الْخَيْلِ):

اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ وَهُوَ التَّمَايُلُ وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا لِقِلَّةِ وُجُودِهَا وَقِلَّةِ إسَامَتِهَا وَالِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَأَقَلُّ سِنٍّ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا أَنْ يُنْزِيَ إذَا كَانَ ذَكَرًا أَوْ يُنْزَى عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ أُنْثَى.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (إذَا كَانَتْ الْخَيْلُ سَائِمَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ) إنَّمَا شَرَطَ الِاخْتِلَاطَ لِأَنَّ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَيْنِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عَدَمُ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ التَّنَاسُلِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ السَّوَائِمِ حَيْثُ يَجِبُ فِي ذُكُورِهَا مُنْفَرِدَةً لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا التَّنَاسُلُ حَصَلَ مِنْهَا الْأَكْلُ وَفِي الْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفِعْلِ الْمُسْتَعَارِ وَالنَّاسُ لَا يَتَمَانَعُونَ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَكُونَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَلَا تَجِبُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَلَا فِي الْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ لِأَنَّ نَمَاءَهَا بِالتَّوَالُدِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَكُونُ النِّصَابُ اثْنَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذُّكْرَانِ فَعَلَى هَذَا النِّصَابُ وَاحِدٌ.
وَالصَّحِيحُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ ثُمَّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْخَيْلِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ فِيهَا وَهَذَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ الْغَزْوِ أَمَّا إذَا كَانَتْ لِلْغَزْوِ فَلَا شَيْءَ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ الْوُجُوبُ فِي عَيْنِهَا وَيُؤْخَذُ مِنْ قِيمَتِهَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَبْلُغْ الْفَرَسَانِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي اشْتَرَطَ فِيهَا الِاخْتِلَاطُ أَوْ الْفُرْسُ عَلَى الثَّانِيَةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَخَذَ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَقَوْلُهُ فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ احْتَرَزَ بِهَذَا عَنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْخِيَارُ إلَى الْعَامِلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا هَذَا الْخِيَارُ فِي أَفْرَاسِ الْعَرَبِ لِتَقَارُبِهَا فِي الْقِيمَةِ أَمَّا فِي أَفْرَاسِ الْعَجَمِ فَيُقَوِّمُهَا حَتْمًا بِغَيْرِ خِيَارٍ لِتَفَاوُتِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْخَذْ زَكَاتُهَا مِنْ عَيْنِهَا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْفُقَرَاءِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ لِأَنَّ عَيْنَهَا غَيْرُ مَأْكُولٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَانَ يَنْبَغِي عِنْدَهُ أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْخَيْلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْكُولَةٍ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا الرُّكُوبُ وَلِهَذَا قَرَنَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ فِيهَا بِالْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ» وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْقِيَاسَ يُتْرَكُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَبِهِ قَطَعَ فِي الْكَنْزِ أَيْضًا.
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْلَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْخُذُ صَدَقَةَ الْخَيْلِ مِنْ صَاحِبِهَا جَبْرًا لِأَنَّ زَكَاتَهَا لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا بِخِلَافِ زَكَاةِ السَّائِمَةِ فَإِنَّهَا جُزْءٌ مِنْ عَيْنِهَا وَلِلْإِمَامِ فِيهِ حَقُّ الْأَخْذِ وَلِأَنَّ الْخَيْلَ مَطْمَعٌ لِكُلِّ طَامِعٍ فَلَوْ وَلِيَ السُّعَاةُ أَخْذَ الزَّكَاةِ فِيهَا لَمْ يَتْرُكُوهَا لِصَاحِبِهَا وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهَا لِأَنَّهَا مَأْكُولَةٌ عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا تَرَكَا الْقِيَاسَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «عَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ إلَّا أَنَّ فِي الرَّقِيقِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَعَبْدِهِ صَدَقَةٌ» إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَ مَا رَوَيَاهُ عَلَى فَرَسِ الرُّكُوبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالرَّقِيقُ إلَّا أَنَّ فِي الرَّقِيقِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْفِطْرَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي عَبْدِ الْخِدْمَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءَ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَيْسَ فِي الْكَسْعَةِ شَيْءٌ» وَهِيَ الْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ مُلْحَقَةٌ بِهَا وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِي الْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ وَالْحُمْلَانِ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا كِبَارٌ) الْفُصْلَانُ جَمْعُ فَصِيلٍ وَهُوَ أَوْلَادُ الْإِبِلِ وَالْحُمْلَانُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ الْحَمَلِ وَهُوَ أَوْلَادُ الْغَنَمِ وَالْعَجَاجِيلُ أَوْلَادُ الْبَقَرِ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جِنْسِ الْخَيْلِ فَلِمَ أَوْرَدَهَا فِيهَا قَبْلُ لِأَنَّ زَكَاةَ الْخَيْلِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَالزَّكَاةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَيْضًا فَأَوْرَدَهَا فِيهَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا).
وَقَالَ زُفَرُ فِيهَا مَا فِي الْكِبَارِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْكِبَارِ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ وَمَالِكٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ تَجِبُ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْ الْمُسِنَّاتِ جَعَلَ الْكُلَّ تَبَعًا لَهَا فِي انْعِقَادِهَا نِصَابًا دُونَ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ حَتَّى لَا يَجْزِيَهُ أَخْذُ وَاحِدَةٍ مِنْ الصِّغَارِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا اشْتَرَى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَصِيلًا أَوْ أَرْبَعِينَ حَمَلًا أَوْ ثَلَاثِينَ عِجْلًا أَوْ وُهِبَ لَهُ ذَلِكَ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ حَالَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ وَصُورَةٌ أُخْرَى إذَا كَانَ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ فَحَالَ عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَتَوَالَدَتْ مِثْلَ عَدَدِهَا ثُمَّ هَلَكَتْ الْأُصُولُ وَبَقِيَتْ الْأَوْلَادُ هَلْ يَبْقَى حَوْلُ الْأُصُولِ عَلَى الْأَوْلَادِ فَعِنْدَهُمَا لَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْقَى.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْلَى مِنْهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ أَخَذَ دُونَهَا وَأَخَذَ الْفَضْلَ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْمُصَدِّقِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْمُصَدِّقِ إذَا كَانَ فِيهِ دَفْعُ زِيَادَةٍ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ شِرَاءً وَإِلَى صَاحِبِ الْمَالِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ الْأَدْنَى وَالزِّيَادَةَ لِأَنَّهُ دَفَعَ بِالْقِيمَةِ وَفِي دَفْعِ الْقِيمَةِ الْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ وَجَبَ بِنْتُ لَبُونٍ وَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ حِقَّةٍ فَالْخِيَارُ إلَى الْمُصَدِّقِ لِمَا فِي التَّشْقِيصِ مِنْ الضَّرَرِ وَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَبِنْتِ اللَّبُونِ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَبَيْنَ بِنْتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَّةِ كَذَلِكَ وَبَيْنَ الْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ كَذَلِكَ وَبَيْنَ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْحِقَّةِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَبَيْنَ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْجَذَعَةِ سِتُّ شِيَاهٍ أَوْ سِتُّونَ دِرْهَمًا.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ) وَكَذَا فِي النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعُشْرِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ وَالْحَوَامِلِ وَالْمَعْلُوفَةِ صَدَقَةٌ) يَعْنِي بِالْعَوَامِلِ وَلَوْ سُمِّيَتْ وَبِالْمَعْلُوفَةِ وَلَوْ لَمْ تَعْمَلْ عَلَيْهَا لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي وَدَلِيلُهُ الْإِسَامَةُ أَوْ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّ فِي الْمَعْلُوفَةِ تَتَرَاكَمُ الْمُؤْنَةُ فَيَنْعَدِمَ النَّمَاءُ فِيهَا مَعْنًى.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ خِيَارَ الْمَالِ وَلَا رَذَالَتَهُ) أَيْ وَلَا رَدِيئَةً.
قَوْلُهُ: (وَيَأْخُذُ الْوَسَطَ مِنْهُ) لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ فِي أَخْذِ خِيَارِهِ إضْرَارًا بِأَصْحَابِ الْأَمْوَالِ وَفِي أَخْذِ رَذَالَتَهُ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ فَيَقْسِمُهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ وَيَأْخُذُ مِنْ الْوَسَطِ وَلَا يَأْخُذُ الرِّبَاءَ وَهِيَ الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا وَلَا الْأَكُولَةَ وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّنُ لِلْأَكْلِ وَلَا الْفَحْلَ وَلَا الْحَامِلَ وَيَحْسِبُ عَلَيْهِ فِي سَائِمَتِهِ الْعَمْيَاءَ وَالْعَجْفَاءَ وَالصَّغِيرَةَ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِسَاعِيهِ عُدَّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ وَلَوْ أَتَاك بِهَا الرَّاعِي عَلَى كَفِّهِ وَلَا تَأْخُذْهَا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مَالًا مِنْ جِنْسِهِ ضَمَّهُ إلَى مَالِهِ وَزَكَّاهُ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ نَمَائِهِ أَوْ لَا وَبِأَيِّ وَجْهٍ اسْتَفَادَهُ ضَمَّهُ سَوَاءٌ كَانَ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْغَنَمِ مَعَ الْإِبِلِ فَإِنَّهُ لَا يُضَمُّ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ نِصَابٌ مِنْ السَّائِمَةِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَزَكَّاهَا ثُمَّ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ وَمَعَهُ نِصَابٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْ مَضَى عَلَيْهِ نِصْفُ الْحَوْلِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَضُمُّ إلَيْهِ ثَمَنَ السَّائِمَةِ بَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهُ حَوْلًا جَدِيدًا وَعِنْدَهُمَا يَضُمُّهُ وَيُزْكِيهِمَا جَمِيعًا وَهَذَا إذَا كَانَ ثَمَنُ السَّائِمَةِ يَبْلُغُ نِصَابًا بِانْفِرَادِهِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَبْلُغُ نِصَابًا ضَمَّهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا ثَمَنُ الطَّعَامِ الْمَعْشُورِ وَثَمَنُ الْعَبْدِ الَّذِي أَدَّى صَدَقَةَ فِطْرِهِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ إجْمَاعًا وَلَوْ بَاعَ الْمَاشِيَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِمَاشِيَةٍ ضَمَّ الثَّمَنَ إلَى جِنْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ يَضُمُّ الدَّرَاهِمَ إلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَاشِيَةَ إلَى الْمَاشِيَةِ وَإِنْ جَعَلَ الْمَاشِيَةَ بَعْدَ مَا زَكَّاهَا عَلُوفَةً ثُمَّ بَاعَهَا ضَمَّ ثَمَنَهَا إجْمَاعًا لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ مَالِ الزَّكَاةِ فَلَمْ تَبْقَ نِصَابًا.
قَوْلُهُ: (وَالسَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ حَوْلِهَا) لِأَنَّ أَصْحَابَ السَّوَائِمِ قَدْ لَا يَجِدُونَ بُدًّا مِنْ أَنْ يَعْلِفُوا سَوَائِمَهُمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَجَعَلَ الْأَقَلَّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْإِسَامَةِ فِي حَقِّ إيجَابِ زَكَاةِ السَّوَائِمِ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْإِسَامَةُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ أَمَّا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَصْلًا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا) فَإِنْ قِيلَ إذَا عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ وَسَامَتْ نِصْفَهُ اسْتَوَى الْوُجُوبُ وَعَدَمُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُوبِ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَمَبْنَاهَا عَلَى الِاحْتِيَاطِ قِيلَ إنَّمَا لَا تَثْبُتُ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ سَبَبِ الْإِيجَابِ وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ.
قَوْلُهُ: (وَالزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَاجِبَةٌ فِي النِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ تَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ وَالْعَفْوِ) وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا هَلَكَ الْعَفْوُ وَبَقِيَ النِّصَابُ يَبْقَى كُلُّ الْوُجُوبِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ يَسْقُطُ بِقَدْرِ الْهَالِكِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ ثُمَّ هَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعٌ فَعَلَيْهِ فِي الْبَاقِي شَاةٌ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ ثَمَانُونَ مِنْ الْغَنَمِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ فِي الْبَاقِي شَاةٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ نِصْفُ شَاةٍ وَإِنْ هَلَكَ سِتُّونَ فَنِصْفُ شَاةٍ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رُبُعُ شَاةٍ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُصْرَفُ الْهَالِكُ بَعْدَ الْعَفْوِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيه إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النِّصَابِ شَائِعًا بَيَانُهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَهَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ فَفِي الْبَاقِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهَا عِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ عَنْهُ) قَيَّدَ بِالْهَلَاكِ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ لَا يُسْقِطُهَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَهُوَ يُمْسِكُهَا عَلَى طَرِيقِ الْأَمَانَةِ فَإِذَا اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَهَا كَالْوَدِيعَةِ ثُمَّ الْهَلَاكُ إنَّمَا يُسْقِطُهَا إذَا كَانَ قَبْلَ مُطَالَبَةِ السَّاعِي بِهَا أَمَّا إذَا طَلَبَهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَقَدْ قَالَ الْكَرْخِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ طَالَبَهُ بِهَا مَنْ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ فَصَارَ كَالْمُودِعِ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ فَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهِ مَعَ الْإِمْكَانِ حَتَّى هَلَكَتْ.
وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَأَبُو سَهْلٍ لَا يَضْمَنُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يَسْتَدْعِي تَفْوِيتًا وَلَمْ يُوجَدْ فَأَمَّا فِي مَنْعِ الْوَدِيعَةِ فَقَدْ بَدَّلَ الْيَدَ فَصَارَ مُفَوِّتًا لِيَدِ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ.
وَفِي الْبَدَائِعِ كَافَّةُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ قَالُوا لَا يَضْمَنُ وَلَوْ طَلَبَ السَّاعِي لِأَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ الْعَيْنَ أَوْ قِيمَتَهَا فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ فَصَارَ كَمَا قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الضَّمَانِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الْحَوْلِ وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَكِنْ بَيْنَ الْأَدَاءِ مُعَجَّلًا وَبَيْنَ الْأَدَاءِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُعَجَّلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَنْتَقِصَ النِّصَابُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَفِي الْأَدَاءِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ إذَا عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ صَرَفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ وَقَعَتْ تَطَوُّعًا وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي اسْتَرَدَّهَا أَمَّا إذَا كَانَ أَدَاؤُهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَقَعَتْ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ انْتَقَصَ النِّصَابُ بِأَدَائِهِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إنَّمَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ بِشَرَائِطَ ثَلَاثٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْحَوْلُ مُنْعَقِدًا وَقْتَ التَّعْجِيلِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ الَّذِي عَجَّلَ عَنْهُ كَامِلًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَفُوتَ أَصْلُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِثَالُهُ إذَا كَانَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَرْبَعٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهَذَا مَالٌ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَإِذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ ثُمَّ كَمَّلَ النِّصَابَ بَعْدَ التَّعْجِيلِ لَا يَكُونُ مَا عَجَّلَ زَكَاةً وَيَكُونُ تَطَوُّعًا وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِخَمْسَةٍ عَلَى فَقِيرٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ وَانْتَقَصَ النِّصَابُ بِمِقْدَارِ مَا عَجَّلَ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ نَاقِصٌ كَانَ مَا عَجَّلَ تَطَوُّعًا وَإِنْ اسْتَفَادَ شَيْئًا حَتَّى كَمَّلَ بِهِ النِّصَابَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ صَحَّ التَّعْجِيلُ عَنْ الزَّكَاةِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ اسْتَفَادَ مَا يُكَمِّلُ بِهِ النِّصَابَ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فَمَا عَجَّلَ لَا يَنُوبُ عَنْهُمَا لِأَنَّ التَّعْجِيلَ حَصَلَ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِنُصُبٍ كَثِيرَةٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ النِّصَابِ الْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَعَجَّلَ أَرْبَعَ شِيَاهٍ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَفِي مِلْكِهِ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَعِنْدَنَا يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ الْخَمْسِ قَالَ لِأَنَّ كُلَّ نِصَابٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَنَا أَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ وَالزَّوَائِدُ عَلَيْهِ تَابِعَةٌ لَهُ وَلَوْ عَجَّلَ أَدَاءَ الزَّكَاةِ إلَى فَقِيرٍ ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ جَازَ مَا دَفَعَهُ عَنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الدَّفْعَ صَادَفَ الْفَقْرَ فَمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ مِنْ الْغِنَى وَالْمَوْتِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَتْ جَمِيعُهَا وَلَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ لَا تَقَعُ الشَّاةُ عَنْهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا تَعْجِيلُ الْعُشْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ وَبَعْدَ النَّبَاتِ جَازَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ قَبْلَ النَّبَاتِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِنْ عَجَّلَ عُشْرَ ثَمَرِ النَّخِيلِ إنْ كَانَ بَعْدَ طُلُوعِهَا جَازَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَا يَجُوزُ.